الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة
للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين.
أما
بعد:
فإن التطاول
على الأصول والثوابت في الدين الإسلامي والطعن فيها صار
منهجًا بينًا لجملة ممن يسمون بالمثقفين أو النخبة أو
التنويريين، وانضم لركبهم ثلة من الكتاب والمفكرين
والصحفيين والإعلاميين وغيرهم، الذين تشربوا من الأفكار
والمبادئ العلمانية والليبرالية والاشتراكية والعقلانية
العداء الصراح لمنهج الإسلام وحضارته وشريعته الغراء،
وأحكامه ومبادئه السامية، وقد غدت بأيديهم كثير من وسائل
الإعلام من الصحف والمجلات والدوريات والفضائيات والمواقع،
بل وبعض المؤسسات الرسمية في بلادهم، والتي من خلالها
ينفثون سمومهم الدفينة في قلوب الناس وأسماعهم، ومن ثم
يحدثون نوعًا من خلخلة العقيدة والإيمان في قلوبهم،
ويشغبون على حقائق الإسلام وأحكامه الواضحة، ويغرونهم
بألوان شتى من الخداع والمكر وتلبيس الحق بالباطل.
وإني إذ أكتب هذه الكلمات في الخامس
والعشرين من شهر صفر لعام ست وثلاثين بعد الألف وأربعمائة،
فإني أكتبها من وحي الخاطر والقلم، وما وقع تحت يدي من
كتابات ومقالات القوم وقصاصات أخبارهم، ومسموعات برامجهم،
وما سبق هذا اليوم من أحداث وثورات ومحن وابتلاءات في
المجتمعات الإسلامية، وأكتبها لتكون عبرة للمعتبر، وزادًا
للمستبصر، فلقد عم بلاء أهل الباطل وزحفهم في قلوب الناس
وعقولهم، وطف الصاع بمكرهم وخبثهم وتدليسهم على أهل
التوحيد والإيمان والاستقامة، ولهذا آثرت إفراغ ما في
النفس والخاطر المكدر المكدود.
لقد اتخذ هؤلاء مبررات شتى بالية لدق طبول
الحرب الغربية والعلمانية والليبرالية والعقلانية على
مبادئ شريعة الإسلام وثوابته، بل وإشعال نار الفتنة
والتخويف والإرجاف، وجعلوا من تلك المبررات الواهية سلمًا
لتحقيق أغراضهم ونواياهم الدفينة ضد منهاج الإسلام وطرائق
الدعاة والمصلحين على اختلاف أفكارهم قربًا وبعدًا.
إنهم يجيدون سياسة المراوغة والتدليس،
والكذب والنفاق، ليصلوا بذلك لأكبر شريحة من المجتمع
والشباب، ويحسنون أحيانًا لغفلة منا التملق لعقول المغيبين
أو الجاهلين عن حقيقة الإسلام وكماله وجماله وقوته وخلوده،
ولو تأمل المستبصر بحالهم لعرف هذا جيدًا، كما قال تعالى:
﴿
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
﴾ [محمد: 30].
إنهم يعملون لحساب كبرائهم وزعمائهم
وسادتهم من أعداء الإسلام والمنافقين في الشرق والغرب
كأبواق مدوية لصوت الباطل والضلال والأهواء، وإن مثلهم
كمثل البالون المملوء بالهواء، يراه الناظر البعيد فيهابه
لضخامته وانتفاخه، ظنًا منه أنه شيء وما هو بشيء، أو مثلهم
كمثل الطبل الأجوف الذي يسمع صوت دقاته وترعيداته من بعيد،
وهو لا يملؤه إلا الهواء.
• • • •
إنهم يتلونون كما تتلون الحرباء، ويظهرون
للناس في ثوب المصلحين والمجددين، الحريصين على إقامة
الدين وتحكيم شريعته، وهم في حقيقتهم أهل الإفساد والغي
والضلال كما قال تعالى: ﴿
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
*
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا
يَشْعُرُونَ
﴾. [البقرة: 12،11].
ومن صور تلونهم ومكرهم وتدليسهم زعمهم أنهم
(أهل الاعتدال والوسطية)، أو فلنقل (أهل الوسطية
الإسلامية)، الذين يعرفون حقيقة الإسلام وسماحته واعتداله،
ومن ثم فإنهم يرمون أصحاب الاتجاهات الإصلاحية الإسلامية
جملة بما ليس فيهم، وهم بذلك الزعم يريدون قيادة الأمة
والتقدم والصدارة، وفي حقيقة الأمر هم يقدمون للأمة
المسلمة وشعوبها إسلامًا خاصًا من صنع عقولهم، ونتاج
أفكارهم وتصوراتهم الخاطئة، يقدمون للناس الإسلام الغربي
أو الأمريكي، الذي يستفيد منه الغرب لإقامة مصالحه، وتكديس
ثرواته، واتساع رقعة مطامعه وشهواته في بلاد العرب
والإسلام، وفي ذات الوقت لا يكون موجودًا على أرض الواقع
كنظام حياة يحكم المجتمعات المسلمة، وليس له أثر في قيادة
الأمة الإسلامية نحو الهداية والحضارة والبناء!
إن الإسلام الذي يدندن حوله هؤلاء والمسمى
بـ(الإسلام
الوسطي)،
هو ذاك الدين الذي يجعلهم أهل توحيد وإسلام بألسنتهم فحسب،
وفي ذات الوقت لا يمنعهم من تعطيل حدود الإسلام وشرائعه،
واستبدال أحكام الله ورسوله بالقوانين الوضعية البشرية
الهزيلة في جميع شئون الأمة ونظامها.
إنه الإسلام الذي يبيح لهم أن يقيموا
الصلاة في المساجد، مع بعض دندنات الألسن بالذكر والحمد
والتسبيح، ولا يمنعهم بعدها أن يذهبوا لدور السينما
والمسارح لمشاهدة الأفلام الخليعة الهابطة، أو سماع
الأغاني والموسيقى، أو حضور حفلات الرقص الصاخبة.
إنه الإسلام الذي يبيح لهم أن يضعوا بعض
الصدقات أو الدراهم في يد الفقير وابن السبيل العابر، أو
لبعض مرضى السرطان أو الكبد في أحد المستشفيات العامة، ولا
يمنعهم بعدها أن يذهبوا للبنوك والمصارف المالية للتعامل
بالربا بكل ألوانه وصوره.
إنه الإسلام الذي يبيح لهم أن يذهبوا
للسياحة في الأرض المقدسة المباركة للطواف حول الكعبة عدة
أشواط، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، ورمي
الجمرات، وزيارة بعض الأماكن والمآثر الإسلامية، ومع هذا
لا يمنعهم من السياحة في بلاد الغرب الكافر أو الشرق
الملحد! ولا يمنعهم من اصطحاب نسائهم وبناتهم إلى الشواطئ
العارية الفاضحة، وصالات الخمر والرقص والانحلال الأخلاقي
والإنساني من كل أدب وفضيلة!
إنه الإسلام الذي يبيح لهم أن يقفوا أمام
أهل التدين والعلم والاستقامة من أهل الإسلام والتوحيد في
بلادهم، ورميهم بالتطرف والشدة...! وفي ذات الوقت لا
يمنعهم من التطبيع المستمر مع الصهاينة اليهود، أو الغرب
والشرق الكافر! ولا يمنعهم كذلك من التعاون معهم على
محاربة أهل التدين والاستقامة على اختلاف اتجاهاتهم
وتصوراتهم من بني جنسهم، وأهل ديانتهم! .. بل واستجداء
المعونات الاقتصادية والعسكرية من أيديهم!
إنه الإسلام الذي يبيح للخطيب والداعية في
مسجده أو على منبره أن يتكلم عن سماحة الإسلام، وجمال
الإسلام، ونور الإسلام، وأخلاق الإسلام، ولا يبيح له أن
يتكلم عن إقامة العدل في الأمة! ورفع الظلم عن الضعفاء
والمظلومين! أو يتكلم عن تطبيق الشريعة الإسلام وأحكامها
وحدودها كنظام حياة للأمة! أو يتكلم عن الجهاد في سبيل
الله وتحرير المقدسات الإسلامية!
إنه الإسلام الذي يبيح لكل متسلق على أصول
الإسلام وثوابته وأحكامه من الكتاب والمفكرين والمثقفين
والفنانين والإعلاميين وغيرهم أن يكتب ما يشاء، ويقول ما
يشاء، ويطعن فيما يشاء! تحت مسمى حرية الرأي والاعتقاد
والفكر! وقد رأينا من ذلك البلايا العظام.
إنه الإسلام الذي يبيح في بلاد الإسلام
حرية الإلحاد والردة والضلال، وحرية العري والفساد، فلا
حدود له قائمة، ولا شريعة له حاكمة مهيمنة! إسلام لا يمنع
من تناول المخدرات والمسكرات، ولا يمنع من مصادقة المرأة
للرجل الأجنبي في الحرام، ولا يمنع من إنشاء دور السينما
والأفلام والمسارح المدمرة للقيم والأخلاق، ولا يمنع من
المتاجرة بجسد المرأة في الأفلام والإعلانات والمجلات
وحفلات الرقص الماجنة، ولا يمنع من أكل الربا بكل ألوانه
وصوره، ولا يمنع من التطبيع مع اليهود والغرب، ولا يمنع من
الردة والكفر والإلحاد!
هذا هو (الإسلام
الوسطي)
اللطيف المعتدل! كما يدعون.. هذا هو الإسلام المختزل في
بعض الشعائر والآداب، الذي يريد أهل الزيغ والهوى والضلال
أن يستقيم عليه الناس في حياتهم ونظامهم، ولا يحيدون عنه
قيد أنملة! وإلا فهم من المتشددين والمتطرفين زعموا!
وهؤلاء هم أهل (الوسطية
والاعتدال)!
هذا هو الإسلام الذي طالما نادى به أذناب العلمانية
وكبارئها، وصدعوا به رؤوسنا في الإعلام والفضائيات
والكتابات، إنه إسلام الذل والضعف والهوان، إسلام التبعية
العمياء للغرب والشرق، إسلام تحقيق الشهوات الدنيئة،
والرغبات الجامحة دون حسيب أو رقيب، إسلام يقاد ولا يقود،
إسلام يتطور ويتغير ولا يغير، إسلام يتأثر ولا يؤثر.. نعم
إنه الإسلام.. ولكن الذي صنعته أفكارهم وعقولهم الغاوية..
وأنتجته أهوائهم وتصوراتهم المنحرفة.. أما الإسلام الحق
ودعوته السامية الهادية فلا يعرف من هذا الزيغ والضلال
شيئًا.. والله المستعان.
• • • •
وهنا نجد أنفسنا أمام حقيقة كبيرة واضحة
حاول هؤلاء العبث بها، في محاولة يائسة منهم لصد الناس
وصرفهم عنها، وهي أن شريعة الإسلام كلها إنما هي الشريعة
الوسط، وأن الاستقامة عليها هي عين الوسطية والاعتدال، كما
أن أمة الإسلام هي الأمة الوسط، كما قال تعالى: ﴿
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..
﴾. [البقرة: 143]. والوسط كما قال أهل
التفسير الخيار العدول، لأنهم وسط في جميع أمور الدين
والاعتقاد والعمل، لأنهم على بصيرة بجميع أطرافها
وأحوالها، كما قال صاحب المنار: (فليسوا
من أرباب الغلو في الدين المفرطين، ولا من أرباب التعطيل
المفرطين).
وأما أرباب وأئمة التغريب والعلمانية
المعاصرة فهم على غير الصراط القويم، لأنهم من دعاة
التأويل والتعطيل لأحكام الإسلام وحدوده في حياة الناس،
وكما بينا عبثًا يحاولون إلباس الباطل ثوب الحق، وقد رفعوا
عقيرتهم بقولتهم الشهيرة لا سياسة في الدين ولا دين في
السياسة.
إن حقيقة الإسلام أنه دين الله الحق،
المنزل من عند الله تعالى، والذي أرسل به جميع أنبيائه
ورسله، هداة للعالمين ورحمة لهم، وعلى رأسهم النبي محمد
صلى الله عليه وسلم، الذي اصطفاه الله لهذه الدعوة
والرسالة الخاتمة لجميع الدعوات والرسالات: ﴿
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً
لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا
﴾ [سبأ: 28].
ودعوة الإسلام التي يريد أهل الباطل صرف
الناس عنها، إنما تعني في حقيقتها وجوهرها إقامة شريعة هذا
الدين في الأرض، وإقامة عقائده وشرائعه ومبادئه وأخلاقه،
كما أنها تعني صياغة الحياة البشرية كلها بصبغة الربانية
والعبودية لله تعالى وحده لا شريك له، كما قال تعالى: ﴿
قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
*
لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ
﴾ [الأنعام: 162-163]. وقال تعالى: ﴿
أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا
تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا
تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن
يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ
﴾ [الشورى: 13] الآية، نعم صبغة قائمة على عبوديتها لله
وحده وإيمانها بكتبه ورسله، عبودية قائمة على إفراد الخالق
المعبود بالخلق والأمر: ﴿
أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ
اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
﴾ [الأعراف: 54]، عبودية لا تتجه إلا على أصول العقيدة
والتوحيد، ولا تقوم إلا على الحق والإيمان.
فلا عقيدة تستقر في القلوب إلا عقيدة
الإيمان بالله والإيمان برسله، والإيمان بكتبه وشرائعه،
والإيمان بالبعث بعد الموت والدار الآخرة دار الجزاء الحق،
ولا شريعة تحكم الحياة البشرية وتقوم مسيرتها، وتهذب
أخلاقها، وتصلح مجتمعاتها، وتبني سياستها واقتصادها،
وحربها وسلمها، إلا شريعة هذا الدين الحق. لأنه الدين
المنزل من عند الله وحده، فليس من دين غيره يقبل عند الله
كما قال تعالى: ﴿
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ
﴾ [آل عمران: 19]. وكما قال أيضاً لمن اعتقد ديناً يدين به
سواه: ﴿
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا
فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ
﴾ [آل عمران: 85]؛ ولأنه الدين الذي ارتضاه لها: ﴿
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً..
﴾ [المائدة: 3]، ﴿
وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ
﴾ [آل عمران: 102] .
ولأنه الدين الذي ضمنه الله تعالى كل جوانب
السعادة والهداية في الحياة الدنيا وفي الآخرة: ﴿
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم
مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ
وَلَا يَشْقَى
﴾ [طه: 123] . ولأنه دين الحق الجامع لكل مظاهر الحياة
البشرية وفق منهج الله تعالى، الشامل الكامل والصالح لكل
زمان ومكان: ﴿
لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا
فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
﴾ [الأنبياء: 10] .
فدين الإسلام دعوة إلى إنقاذ البشرية من
الهلاك والضياع والتيه في الظلمات، والسير في ركب الشيطان
وأتباعه، ودعوة إلى تحقيق سيادة ملك الله في الأرض وفي
دنيا الناس: ﴿
أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
﴾ [إبراهيم:5].
ودعوة إلى قيادة البشرية بمنهج الله تعالى
الخالد الباقي إلى يوم الدين، وإفراده سبحانه بالعبادة
والتشريع دون من سواه من المخلوقات: ﴿
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
﴾ [الصف: 9].
ودعوة لبناء النفس والإنسان الصالح لإقامة
خلافة لله في الأرض، ودعوة لتحرير النفس البشرية من رق
العبودية والذلة لغير خالقها، تحريرها من سلطان الشيطان
عليها بكيده ومكره، وتحريرها من الخوف من ذوي السلطان
والطاغوت الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً،
وتحريرها من تقديس الذات والمال واللهث وراء أعراض الدنيا
الفانية القليلة، وتحريرها من الخوف والطمع إلا في خالقها
وموجدها سبحانه وتعالى، وآيات القرآن فيها من هذا كثير:
قال الله سبحانه وتعالي: ﴿
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ
يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ
بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
﴾ [يونس: 18].
وقال جل ثناؤه: ﴿
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ
نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ
يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ
فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ
﴾ [آل عمران: 64]. وقال سبحانه: ﴿
إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ
تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
﴾ [يوسف: 40].
وقال عز وجل: ﴿
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ
صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ
نُبَيِّنُ لَهُمُ الآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى
يُؤْفَكُونَ
*
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ
لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ
﴾ [المائدة: 75، 76]. وقال تعالي: ﴿
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ
يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا
يَعْبُدُونَ
*
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ
كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم
مُّؤْمِنُونَ
*
فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا
وَلاَ ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا
عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ
﴾ [سبأ: 40-42].
وفي تحرير النفس من الخوف علي الحياة: قال
تعالي: ﴿
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ
بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً
﴾ [آل عمران: 145]. وقال سبحانه: ﴿
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ
أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ
يَسْتَقْدِمُونَ
﴾ [الأعراف: 34].
وقال سبحانه: ﴿
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ
وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ
وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا
﴾ [الأحزاب: 39]. وقال جل ذكره: ﴿
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ
غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ
اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
﴾ [لقمان: 34].
وفي تحرير النفس من وفي الخوف علي الرزق:
قال عز وجل: ﴿
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ
﴾ [النحل: 53]. وقال جل ذكره: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ
يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
﴾ [فاطر: 3].
وفي تحرير النفس من الخوف على المكانة في
المجتمع: فالإنسان في مجتمعه لا يملك ضراً ولا نفعا، ولا
عزاً ولا نصراً، ولا رفعة ولا مكانة، ولا أي شيء من ذلك
إلا بإذن الله وأمره «قل إن الأمر كله لله»، قال تعالي: ﴿
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي
الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ
تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
﴾ [آل عمران: 26]. وقال تعالي: ﴿
وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ
كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ
فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
*
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ
الْخَبِيرُ
﴾ [الأنعام: 17، 18]. وقال تعالي: ﴿
وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن
مُّكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
﴾ [الحج: 18]. وقال سبحانه وتعالي: ﴿
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ
الْعِزَّةُ جَمِيعًا
﴾ [فاطر: 10].
وفي تحرير النفس من تقديس المادة: قال عز
وجل: ﴿
فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ
أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ
بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ
وَهُمْ كَافِرُونَ
﴾ [التوبة: 55]. وقال تعالي: ﴿
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ
فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
﴾ [التغابن: 15]. وقال سبحانه: ﴿
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ
أَتْقَاكُمْ
﴾ [الحجرات: 13].
وفي تحرير النفس من سلطان الشهوات: قال
سبحانه وتعالي: ﴿
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ
مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
﴾ [آل عمران: 14]. وقال سبحانه عقب هذه الآية: ﴿
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن
ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ
تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ
بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
﴾ [آل عمران: 15].
وقال عز وجل: ﴿
قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم
مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ
لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
﴾ [التوبة: 24]. وقال الله سبحانه: ﴿
وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن
تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا
﴾ [النساء: 27]. وقال سبحانه وتعالي: ﴿
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ
بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ
آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ
الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ
آمِنُونَ
﴾ [سبأ: 37].
وفي تحرير النفس البشرية من سلطان الهوى:
قال الله تعالي: ﴿
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ
لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ
﴾ [المؤمنون: 71]. وقال سبحانه وتعالي: ﴿
فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ
وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ
الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهَاجًا
﴾ [المائدة: 48]. وقال سبحانه: ﴿
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
*
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
﴾ [النازعات: 40، 41].
ودعوة لتزكية الأنفس والقلوب بمعرفة خالقها
والتقرب إليه والطمع في رحمته وجنته، ودعوة للتصدي للشيطان
الرجيم ومكائده وحبائله، والوقوف أمام فساد أتباعه وأعوانه
الذين يتملقون البشرية ويلهثون خلف الشهوات الكامنة،
واللذات المحرمة، ولا يراعون لها أدباً ولا حرمة ولا
كرامة، ودعوة لبناء مجتمع رباني نظيف قائم على رعاية
الآداب، وحفظ الحرمات، قال الله سبحانه: ﴿
وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن
تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا
﴾ [النساء: 27].
إن الإسلام ليس دعوة لقمع البشرية
واستعبادها، والسيطرة على مقدرات الشعوب وأقواتها، ونهب
أموالها وممتلكاتها، كما فعلته في القرون المتأخرة
الشيوعية الخبيثة المادية، بأفكارها ومعتقداتها الإلحادية
الكافرة، أو كما تفعله أمريكا وأوربا بمباركة وتخطيط يهودي
صليبي ماكر، أو حتى ما يفعله أرباب الأموال والثروات من
الهنود واليابانيين والصينيين.
وليس دعوة للخروج على حكم الله وشريعته،
بدعاوى التقدم والعلم والانفتاح العلمي أمام البشرية مما
يجعلها ليست في حاجة إلى شريعة تحكمها ولا دين ينظم شؤون
حياتها.
كما أنه ليس دعوة مستمدة من العقل والفكر
البشري القاصر عن إدراك حقائق الأشياء، ولا الوصول إلى
جميع مدلولاتها ليصوغ لها قوانين بشرية في شتى مجالات
الحياة، ثم يحكمها فيها ويقول لها هذا هو القانون العصري
الذي يتناسب مع طبيعة هذا الزمان.
كما أنه ليس دعوة أيضاً للتعدي على آداب
الإنسان وحياءه وحرماته، وليس دعوة للفوضى والإباحية
والفواحش والمنكرات على حساب شريعة الله والآخرة.
لكنه دعوة ربانية طاهرة، تسموا بالإنسان
إلى حيث هو عند الله من التكريم والرفعة، وتسموا بأخلاقه
وآدابه فيرتفع بإيمانه بالله، على دنايا النفس وحب الشهوات
واللذات التي تقودها كثيراً إلى الهلاك والخسران.
وهذه المعاني كلها جمعتها هذه الدعوة، التي
هي بحق دعوة الإسلام، لأن الإسلام دين الفطرة الذي يولد
عليه كل مولود: {كل مولود يولد على الفطرة}، وهذه الفطرة
تعنى أن الكون والإنسان لم يخلقاً عبثاً ولا هملاً كما
أخبر سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ
عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ
﴾ [المؤمنون: 115]، وكما قال في موضع آخر: ﴿
أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى
﴾ [القيامة: 36].
بل وبالغ سبحانه في نفي العبث واللهو في
الخلق والأمر عن نفسه فقال تعالى: ﴿
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
*
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
﴾ [الدخان: 38، 39]، فالكون والإنس والجن، والنجوم
والأفلاك، والجبال والبحار، والسماوات والأرض جميعاً،
خلقها الله تعالى لحكمة جليلة، وغاية نبيلة، كما أخبر
تعالى: ﴿
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ
﴾ [الذاريات: 56]. إنها غاية العبودية لله
تعالى وحده لا شريك له، وهذه غاية الوجود الإنساني والبشري
على هذه الأرض.
هذا هو الإسلام الوسطي الصحيح الكامل الذي
هو دين الله ورسوله، والذي لا يريد هؤلاء أن يعرفه الناس
ولا أن يستقيموا عليه، لأنه يكشف مكرهم وخداعهم، ويحول
بينهم وبين تحقيق شهواتهم ونزواتهم الشيطانية الجامحة،
لأنهم لا يريدون لهذه الأمة أن تستيقظ من سباتها، ولا أن
تعود إلى رشدها ورشادها ومجدها كما قال تعالى: ﴿
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ
تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
*
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ
الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
﴾. [النساء: 28،27].
أما أن يختزلوا منهج الإسلام الواسع في بعض
الشعائر والعبادات والسلوكيات.. ثم يخفون البعض الآخر! ثم
يزعمون تلبيسًا وتدليسًا على الناس أنه الإسلام الوسطي؟
فلا شك أن هذا مكر وعبث مكشوف، وحسب المسلم الحق أن يكون
مستقيمًا كما أراد الله ورسوله على منهاج الإسلام كله، في
شعائره وشرائعه، وأخلاقه ومعاملاته، ونظامه وتصوراته،
ويأخذه كله، ويرضى به، ويجتنب الكبائر والمحرمات من
الذنوب، ويعمل من التقوى والطاعات ما استطاع إليها سبيلًا،
كما قال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا
فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
﴾. [البقرة: 208]. وقال تعالى: ﴿
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا..
﴾. [التغابن: 16].
أما التلون والتلاعب بهذا المنهج الرباني،
فتلك خطيئة كبيرة مكشوفة، وحسب أصحابها أن الله بينهم
وأظهرهم لنكون منهم على حذر كما قال تعالى: ﴿
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
*
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا
يَشْعُرُونَ
﴾. [البقرة: 12،11]. |