الرئيسية » بحوث ومقالات الشيخ

الفرار العلماني من عبودية الله وحده!

 الكاتب: الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين. أما بعد:

أولًا: ماذا تعني العلمانية على حقيقتها؟

المتأمِّل لواقع الأمة اليوم يرى كمًّا كبيرًا من الأعداء المتربِّصين بدعوة الإسلام، والتي أَذِن الله تعالى لها بالعودة من جديدٍ، فأهل الكُفر - خاصَّة من اليهود والنصارى - أعداءٌ لَها، والعلمانيُّون واللِّيبراليون والمنافقون كذلك، وكل هؤلاء المتربِّصين لا يريدون للإسلام دولة، ولا عودةً إلى حاكميَّة الحياة كلِّها للأمة الإسلامية، بل ويكيدون المكايد لها في الليل والنهار، كما قال تعالى: "وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة: 217].

والمتأمِّل بنظرةٍ ثاقبة إلى تأريخ الواقع المعاصر في العالَمِ الإسلاميِّ والعربي، يرى بِوُضوحٍ أنَّ جلَّ "الحكومات" و"الأنظمة" و"الأحزاب" التي تَحْكم شعوبَه إنَّما هي أنظمة مُوالِيَةٌ للغَرْب والعلمانيَّة، وهي تستمدُّ قوَّتَها في إنشاء القوانين والدساتير - وكما يقولون "التشريعيَّة"، أو "الشرعية" - من أصولِ العلمانيَّة الغربية، وليس من منهج الإسلام وشريعته.

وإذا نظَرْنا إلى "العلمانيَّة" على حقيقتها، نَجِد أنَّها مذهبٌ غرْبِيٌّ طارئٌ على العالَم الغرْبِي، مذهبٌ خارج على منهج الكنَسِيَّة والعبادة، منهجٌ لا يَدِين لله تعالى بِسُلطان على البشريَّة، ولا يُعْطي لله حقًّا أن يُمدَّ لَها منهجًا ربَّانيًّا يُضِيء لَها الطريق في هذه الحياة الدُّنيا، مذهبٌ لا يُعبِّد النَّاس لَرِبِّهم وخالقِهم، ولا يجعل لله تعالى دِينًا يَحْكمهم ويهديهم.

ويقول صاحب كتاب "العلمانية في الحياة الإسلامية المعاصرة":

"لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية، أو (secularity)، والترجمة الصحيحة للكلمة هي (اللادينية) أو (الدنيوية) لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد".

ويقول أيضًا في الكشف عن مدلولها:

"ويقول معجم أكسفورد شرحاً لكلمة (secular):

1- دنيوي، أو مادي، ليس دينيا ولا روحياً: مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.

2- الرأي الذي يقول: إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية".

ويقول أيضًا في بيان كامل لحقيقة العلمانية:

"ويقول "المعجم الدولي الثالث الجديد " مادة: (Secularism).

"اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب ألاَّ تتدخل في الحكومة، أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً، فهي تعني مثلاً السياسة اللادينية البحتة في الحكومة .

وهي نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين".

ويقول المستشرق أربري في كتابه "الدين في الشرق الأوسط" عن الكلمة نفسها:

"إن المادية العلمية والإنسانية والمذهب الطبيعي والوضعية كلها أشكال للادينية، واللادينية صفة مميزة لـأوروبا وأمريكا ، ومع أن مظاهرها موجودة في الشرق الأوسط، فإنها لم تتخذ أي صيغة فلسفية أو أدبية محددة، والنموذج الرئيسي لها هو فصل الدين على الدولة في الجمهورية التركية.

والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو "فصل الدين عن الدولة" وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة، ولو قيل: إنها فصل الدين عن الحياة لكان أصوب، ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية إقامة الحياة على غير الدين، سواء بالنسبة للأمة أو للفرد، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود، فبعضها تسمح به، كالمجتمعات الديمقراطية الليبرالية، وتسمي منهجها (العلمانية المعتدلة -Non Religious) أي: أنها مجتمعات لا دينية ولكنها غير معادية للدين وذلك مقابل ما يسمى (العلمانية المتطرفة-antireligious)، أي: المضادة للدين، ويعنون بها المجتمعات الشيوعية وما شاكلها.

وبديهي أنه بالنسبة للإسلام لا فرق بين المسميين، فكل ما ليس دينياً من المبادئ والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين، فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان ولا واسطة بينهما"(1).

ثانيًا: من مباديء الفكر العلماني في بلاد المسلمين:

1- فَصْل الدِّين عن الحياة:

إنَّ العلمانية تَعْني: فَصْل الدِّين عن الحياة، فَصْل المخلوق عن منهج خالقه ومعبوده، فلا دَخْلَ للدِّين في شؤُون الإنسان، لا في مأكله وملبسه، ولا في اقتصادِه وحُكْمِه وسياسته، فلا يقول الدِّين للإنسان: هذا حلالٌ، وهذا حرام، ولا يقول أيضًا: هذا شِرْك، وهذا إيمان، إنَّ العلمانية في إيجاز هي اللاَّدين، وكما قال قائلهم: "دَعْ ما لِقَيصر لقيصر، وما للهِ لله".

2- الطَّعن في الشريعة الإسلامية:

وإنَّ العلمانية تَعْني: الطَّعن في الشريعة الإسلامية، وأنها شريعة بالِيَة ذاتُ طقوس وشعائر لا تُمارَس إلاَّ في دور العبادة.

3- إحياء الوثنيَّات القديمة البائدة:

وإن العلمانية تعني: إحياء الوثنيَّات القديمة، كالفِرْعونيَّة وغيرها، وإشغال الأجيال بتعظيم هذا التُّراث البائد، ودَعْم المُؤَسَّسات ودُور الثَّقافة؛ لإحياء الجاهلية من جديد على صفحة التاريخ البشَرِي.

4- الوقوف أمام تَحْكيم الشريعة الإسلامية:

وإن العلمانية تعني: الوقوف أمام تَحْكيم الشريعة الإسلامية؛ لأنَّها عندهم ليست مَنْهج حياة، وهذا عَصْر الحُرِّية وزمانُها، فلْيَعبد مَن شاء ما شاء.

5- مُحاربة القِيَم والأخلاق الفاضلة:

وإن العلمانية تعني: مُحاربة القِيَم والأخلاق والحضارة الإسلامية؛ لأنَّها تَعْمل على هَدْم العلاقة بين الخالق والمخلوق، وبين العبد والمعبود، فلا رقابة لله عليه ولا سُلْطان، ولا ثوابَ ولا عقاب، ولا جنَّة ولا نار، فالمرأة في العلمانيَّة حُرَّة في جسَدِها تهَبُه مَن شاءَتْ، وتتحرَّك بإرادتها متى وكيف شاءت، فلا دين يَحْكُمها، ولا زوج يَأْمُرها، ولا أب يؤدِّبها، ولا قرآن يَهْديها.

6- نَشْر الشُّذوذ الجنسي والإباحيَّة في بلادِ المسْلمِين:

وإن العلمانية تعني: العمل على نَشْر الشُّذوذ الجنسي والإباحيَّة، من الزنا واللواط والسحاق في مجتمعات المسلمين وبلادهم بلا خجل أو وجَل.

7- إحياء الجاهلية بكل صورها:

وإن العلمانية تعني: "الجاهلية" بكل ألوانها وصورها، وكل توابع الفساد فيها، كما أنها تعني الكُفْر بالآخرة؛ إذْ لا ثواب ولا عقاب، ومِن ثَمَّ لا حساب.

ثالثًا: حصاد العلمَانِية الْمُرُّ في بلادِ المسْلمِين:

هذا بعضُ من فيضٍ مما تعنيه العلمانية الكافرة على حقيقتها، ونحن نسأل: ماذا قدَّمَت العلمانية للبلاد الإسلامية؟ وماذا أنتجَتْ من ثمار؟

إنَّ وجود العلمانية وقوانينها الوضعية في حكم بلاد الإسلام أدَّى بالأمَّة إلى الفرار، ولكن إلى مستَنْقَع الفاحشة والعُرْي والزِّنا، والفرار إلى الخنا والإباحيَّة، والإسفاف بالأخلاق والتميُّع بالقِيَم، فماذا حصدت الأمة من وراء ذلك؟

ما حصدت إلاَّ ضياع الأعراض، وانتهاك الحرُمات، وفساد الأخلاق وانحلالها، وانتشار الفواحش والعُرْي علَنًا، وتمرُّد الأجيال، وانتشار الأوبئة والأمراض الخبيثة؛ كالزُّهري والسَّيَلان المنَوِي، وأخطرها مرض الإيدز المُدمِّر، والذي لا يزال الطِّبُّ الحديث عاجزًا عن معرفة طُرُق الشِّفاء منه.

وفَرَّت الأُمَّة كذلك إلى التعامل الرِّبَويِّ وإعلان الفوائد المحرَّمة، والإسهام في البورصات العالمية والاستثمارية، فما حصدَتْ إلاَّ انتشار الفقر والبطالة بين الأجيال المتلاحقة، وما حصدت إلاَّ انتشار الفساد الاقتصادي، والسرقة المُعْلَنة في مقدَّرات الأُمَّة وثرواتها وممتلكاتها.

وفرَّت الأمَّة أيضًا إلى تحكيم القوانين الوضعيَّة المستوردة، فما حصدت إلاَّ ضياع نعمة الأمن والأمان، وظهور الحرام بكلِّ صُوَره وأشكاله، من أَخْذِ الرِّشوة، والسرقة، وشهادة الزور، وأكل الرِّبا، وأكل أموال الناس بالباطل.

وما حصدت إلاَّ استعباد الأُمَم الكافرة لها، وتحكُّمها فيها، وإدارة شؤونها وحياتها ومقدَّراتها، والعبث بِأَمْنِها وأخلاقها وعقيدتها، حتى صارت الأُمَّة قَصْعة مستباحة لكلِّ أحد، وغنيمة مُشْبِعة، ولعبة مسلِّية بأيدي العابثين.

هذه بعض الثِّمار المُرَّة للعلمانية المعاصِرَة في العالم الإسلامي، فضلاً عن آثارها وجراحها في العالَم الغَرْبي والأوربِّي نفسه، والتي لا طريق للخلاص منها إلاَّ بمنهج الله تعالى وشريعته.

يقول الدكتور عماد الدين خليل:

"في ظلال المجتمع العلماني يتمزق الإنسان بناء على تمزق مصيره، وتزدوج شخصيته اعتماداً على الثنائية التي اصطنعها بين المادة والروح، والجدران التي أقامها بين تجربتي الحس والوجدان، والجفاء الذي باعد به زيفاً بين عالمي الحضور والغياب، بين ما هو قريب ومرئي وما هو بعيد لا تراه العيون، والتصور الذي يصدر عنه ذلك الإنسان لا يوائم بحال بين العلاقات المعقدة المتشابكة التي تحكم الكون والعالم والحياة.

بل هو تصور يفصل بالقسر والعناد بين هذه العلاقات جميعها، يمزقها تمزيقاً، ويعمل فيها تقطيعاً وتشويهاً، فتغدو طاقات الكون والإنسان والحياة وما بينها جميعاً من وشائج وارتباطات -تغدو في حس العلماني وتصوره فوضى يسودها الانفصال والصداء والجفاء.. الدين يتناقض مع العلم، والفلسفة العقلية ترفض التشبث الطبيعي بالواقع الملموس والمذاهب الطبيعية لا تلزم نفسها بقيم خلقية أو إنسانية.

وهكذا سلسلة من المصادمات التي لا تقتصر آثارها السيئة على العالم الخارجي فحسب، بل في أعماق الإنسان وتجربته الذاتية كذلك.."(2).

ويقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق - رحمه الله تعالى -: "إنَّ البحث عن هويَّة أخرى للأمة الإسلاميَّة خيانةٌ كبْرى، وجناية عظمى".

إن هؤلاء حقًّا يسيرون على درب التِّيه والضلال، والخيانة للدِّين والأوطان، كما أنَّهم يخطون حذو القُذَّة بالقذَّة خلف من سبقَهم ممن تآمروا على الهويَّة الإسلامية من قبل، ومن هنا شنُّوا عدة حملات خبيثة ماكرة في جلِّ وسائل الإعلام على "الاتجاهات الإسلامية" وسخَّروا أبواقهم الماكرة للعبث بالدستور، وإذْ بنا نرى الحرب الخبيثة سرًّا وجهارًا من المنافقين وغيرهم، وقد سنُّوا سيوف الحرب، وأوقدوا نارها، ودقُّوا طبولَها، في وسائل الإعلام؛ المرئيَّة، والمقروءة، والمسموعة على حدٍّ سواء.

ومن ثَمَّ أخذوا يلتقطون بعض العبارات والتصريحات والمواقف، من بعض شيوخ الدَّعوة والحقِّ؛ ليلعبوا بها على وتر العواطف والكلام، والنَّيل من منهج الحقِّ وأهله ودُعاته، خاصَّة الاتِّجاه السَّلفي.

ذلك أن هؤلاء المنافقين من العلمانيِّين والليبراليين ومَن شابه طريقَهم وأهدافهم، لا يريدون - مهما كلَّفهم الأمر، وبذلوا من أموال - أن تظلَّ مصر ولا حتَّى الدول الأخرى، محافِظةً على هويَّتِها الإسلامية والعربيَّة، وتلك سُنَّة جارية؛ لأنَّ في ذلك نفعًا وتحقيقًا لغاياتهم ومآربِهم الخبيثة، ولدوام تواصُلِهم مع الغرب الكافر، والشرق الملحِد دون قيدٍ أو شرط.

رابعًا: الفرار العلماني من عبودية الله وحده:

إن العلمانيين العرب لا يريدون أن يروا شريعة الرحمن المنزلة في حياة المسلمين، ولا يريدون أن يروا الحكم الإسلامي المنزل من الله وحده، والمحفوظ من كل نقص أو خلل، أن يحكم الناس بالعدل ويسوسهم.

ولا يريدون أن يروا الاقتصاد المالي للأمة فيه الحلال والحرام، ولا هذا ربا ولا هذا بيع، ولا جلب الزكوات والصدقات من أهلها الأغنياء لإشبعاء الفقراء والمحتاجين، وكفالة البؤساء والمحرومين.

ولا يريدون أن يروا بنات ونساء المسلمين عفيفات طاهرات، محتشمات محتجبات، إنما يريدون نسائنا عاهرات فاجرات، عاريات دنسات، يلبسن ما يريدون، ويتمتعون بها في كل مكان كما يشاءون.

ولا يريدون مجتمعًا قوي البنية والحضارة، عظيم الخلق والسجايا، إنما يريدون مجتمع الربا والزنا والسحاق واللوط والفواحش والمنكرات، بلا قيد أو رقيب، فالربا حلال سائغ، والخمر حلال، والزنا مباح، والعهر لا حرج فيه، والسرقة فن، والغش ذكاء، والاحتيال فطنة، وسب الدين حرية، وقتل أهل الإسلام تطهير من العنصرية.

هكذا باختصار يريد العلمانيون وأذنابهم لبلاد الإسلام والعروبة، والسؤال: أحقًا هؤلاء يؤمنون بالله حق الإيمان إن كانوا مسلمين؟!

أحقًا يؤمنون بالقرآن أنه شرع المسلمين!

أحقًا يتبعون رسول الله محمدًا – صلى الله عليه وسلم -!

أحقًا يؤمنون بالآخرة والجنة ونعيمها، والنار وعذابها!

إن كانوا كذلك فلمَ يحاربون شريعتهم وعقيدتهم وبلادهم؟!

إن كانوا كذلك فلمَ لا يحكمون هم شريعتهم وعقيدتهم في أنفسهم وبلادهم؟!

وقد أنزل سبحانه آيات بينات زاهرات: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" [المائدة: 48-50].

ولا خيار لهم بعد الإسلام وشرعته، بعد أن قال لهم ربهم سبحانه: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" [الأحزاب:36].

وإن لم يكونوا كذلك، فلمَ لا يعلنون أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر للعالمين؟! أم أنه النفاق والتدليس على هذه الأمة.

أم أنه الفرار من عبوديتهم لربهم وحده، والفرار من شرعه وأمره وحكمه!

نعم إنه الفرار من عبودية الله وحده والتحاكم إليه، إلى عبودية الأهواء والشهوات كيفما يشاءون.

إن الله توعد مثل هؤلاء، وحذر الأمة أن تتبع أمثال هؤلاء أشد التحذير فقال تعالى: "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" [الكهف:29،28].

كما أنه يجب على كلِّ مسلم الإذعان لله ورسوله، والاعتقاد بوجوب التزام الكتاب والسنة، ووجوب متابعة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما قال - تعالى -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

إن الإسلام في البداية والنهاية هو التسليم للكتاب والسنة، والكتاب والسنة فيهما بيان كل شيء ممَّا يحتاجه المكلَّف؛ قال - تعالى - عن القرآن: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].

وقال - سبحانه وتعالى -: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} [يوسف: 11]، وقال - تعالى -: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44]، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

_________________

(2،1) العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها، للشيخ سفر الحوالي.

نشر في موقع المختار الإسلامي

   
 

 

   
 

 
    العودة إلى الخلف          اطبع هذه الصفحة أضف هذا الموقع للمفضلة لديك