الرئيسية » بحوث ومقالات الشيخ

ظاهرة التحرش والاغتصاب وضرورة ردع المجرمين

 الكاتب: الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين. أما بعد:

أولًا: مقاصد الشريعة الإسلامية:

لقد جاءت رسالة الرسل والأنبياء - عليهم السلام - عامة، ورسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، والمتمثلة في "شريعة الإسلام" بأعظم المقاصد الربانية في حفظ الإنسان وكرامته التي تليق بمكانته وقدره، ومن أسمى تلك المقاصد الشرعية: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، والعرض.

وقد اتفقت عليها الشرائع والعقول السليمة جميعًا، ومن ثم جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة ببيان حقيقة هذه المقاصد الربانية السامية، وسبل تحقيقها في المجتمع المسلم، والتحذير من إضاعة حق الله ورسوله فيها، والتعدي على حرمات الإنسان خاصة، والمجتمع عامة، بل وإقامة الحدود الشرعية الربانية على الذين يعبثون بتلك المقاصد، ويسعون لهدم الإنسان وقيمه ومجتمعه.

ومع مرور الزمان ووقوع السنن الربانية الجارية بعلم الله وحكمته وعدله وقدرته، يظهر في أمة الإسلام أصناف تتلاعب بها الشهوات الجامحة، والنزوات الطامحة لغير ما أحل الله وشرع لعباده، ومن ثم تجرف تلك النفوس المريضة شهواتها المحرمة، إلى الانحراف بعيدًا عن نور الأخلاق الإنسانية المثالية، والآداب الربانية، وتطمس فيها معالم الهدى والإيمان والتي تمثلها فطرة الإنسان السوية، وشريعة الوحي الربانية، من الرجولة والمروءة والحياء والعفة وغيرها، ومن ثم تلهث وراء تلك النزوات الجامحة، وتحث السير نحو تحقيق مآربها وملذاتها في الحرام الخبيث.

ثانيًا: ظاهرة التحرش والاغتصاب الجماعي:

ومن تلك الصور المؤلمة الفاجعة، ظهور جريمة "التحرش والاغتصاب" في المجتمعات عامة والإسلامية منها خاصة، والذي غالبًا ما تكون ضحيته تلك الفتاة أو المرأة التي تقع بين يدي الغاصب المعتدي، فينكب عليها بفعل ما حرم الله عليه ورسوله، من الغمز واللمز والإيحاءات الجنسية الشهوانية بالإشارة والعبارة والمعاكسة، ثم يتصور الأمر أحيانًا إلى اللمس والضم والتقبيل، ولربما أفضى به جنون الشهوة المحرمة إلى الوقوع التام بفعل الفاحشة الكبرى وهي "الزنى" عياذًا بالله تعالى، ويزداد الأمر خطورة إذا تحول هذا التحرش والاغتصاب من حالات فردية غير معروفة غالبًا، إلى ما يعرف اليوم في وسائل الإعلام "بالتحرش والاغتصاب الجماعي" ونسأل الله السلامة والعافية من ضياع الأخلاق والفطرة معًا.

وهذا التحرش والاغتصاب "الجماعي" يقع من مجموعة من الرجال أو الشباب المنحرفين في قيمهم وسلوكهم، والغافلين عن تحقيق العبودية لربهم وشريعتهم، وصيانة أنفسهم ومجتمعهم من التعدي على حرمات الله تعالى.

ثالثًا: الأسباب وراء التحرش والاغتصاب:

والذي يتأمل هذه الظاهرة الخطيرة، والجريمة المنكرة الكبيرة، يراها نتاجًا وحصادًا مريرًا لعدة أسباب مريرة سبقتها، أشرنا لها في كتابات سابقة، منها:

1- تقصير كثيرٍ من الأُسَر المسلمة في تربية أولادهم وبناتهم على آداب الإسلام وأخلاقه وقِيَمه، مما يدفع المراهقين والشباب لمقارفة المحرمات وارتكابها، والفتيات لترك فريضة الحجاب الشرعي على المسلمة، والتهاون فيه، ومن ثم تخرج إلى الطرقات والمنتديات والجامعات والحفلات الماجنة، كاسيات عاريات، مائلات مميلات، يلبسن أضيق الثياب وأقصرها، وأكثرها فتنة وإغراءًا، ويتعطرن بالعطور الصارخة مما لا يحل إلا للزوج وحده، إلى كونهن متغنجات متميعات في كلامهن ومشيتهن، فتستميل الواحدة منهن قلوب الناظرين إلى التحرش والمعاكسة، ومن ثم يتطور الأمر إلى الاغتصاب والفاحشة، وأصل كل ذلك فساد تربية الأولاد والفتيات في داخل البيت المسلم.

2- وكذلك ضَعْف الوازع الإيماني والغَيْرة في المجتمع جملة، مما جعل الكثيرين يتهاونون أو يتركون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابط الشريعة وآدابها.

3- وكذلك بعض الهيئات والمؤسسات التعليمية، التي لا تعبأ بالتربية الإسلامية القويمة، وفي ذات الوقت تعنى بتعليم فنون الرقص والغناء والموسيقى للطلاب والدارسين.

4- وكذلك وسائل الإعلام بصورها المختلفة، وذلك من خلال عزفها على وَتَر الجرائم الكبرى الثلاث، وهي: نشر الجريمة، وهَدْم الأخلاق والمُثُل، ونشر الفاحشة والمنكَر.

وذلك من خلال تصوير بعضِ المشاهد والمقاطع المحرَّمة شرعًا وعقلاً في الفيلم أو المسلسل، والتي تتجسد فيها المرأةُ وهي شِبه عارية، وفي حجرة النوم، وتجلس أو تنام بجوار رجلٍ غريب، تسميه بـ: "الحبيب"، وإذا تأدبَّت قالت: "يا أبا فلان"، وما هو بأبيه وكذَبوا، ويفعل معها كل حرام، مما يعف القلمُ عن الإفصاح عنه، مما لا يكون إلا بين الرجُلِ وزوجته في الحلال الطاهر، وتتكرر تلكم المشاهدُ والمقاطع عشَرات المرات، وبصور مختلفة، على أعين الأجيالِ والشباب في جُلِّ وسائل الإعلام، في الليل والنهار، فماذا يعني ذلك للمشاهد؟

يعني أن هذه المَشَاهد ليست محرَّمة، وأن تلك المقاطع ليست جريمةً شرعية، وليست نشرًا للفاحشة، إنما هي: "الفن، والتقدم، والإبداع".

5- ومن الأسباب تيسير وصول الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" لأيدي الشباب والمراهقين دون حسيب عليهم، أو رقيب لأفعالهم، مما يسر للشباب الوصول إلى آلاف المواقع الإباحية والجنسية الخبيثة، والتي تبث سمومها وبذاءتها وتدنيها في الحيوانية البهيمية، والتي لا يكاد يقع شاب في شباكها إلا وأوشكت على تدميره نفسيًا ودينيًا وخلقيًا وجسديًا، من خلال آثارها الخطيرة المشؤومة، وسلبياتها القاتلة المدمرة، فتلك المشاهد المقززة المتكررة له، تحرك بداخله الشهوة النائمة، وتنبهه إلى ما لا يصح إدراكه بهذه الوسائل، وتدفعه نحو الإدمان المستمر بالنظر فيها، والبحث عنها، حتى يأتي وقت يفقد فيه الشاب اتزانه الأخلاقي، ورقابته الذاتية لربه وسلوكه، كما قال القائل:

كل الحوادث مبداها من النظر .. ومعظم النار من مستصغر الشررِ

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها .. فتك السهام بلا قوس ولا وترِ

ومن ثم فيخرج كالحيران الجائع اللاهث وراء غريزته، يريد إشباعها بأي وسيلة كانت، وبأي ثمن، وعندها فلا يرعى لله حرمة، ولا للأخلاق قيمة، فيهوي في الهاوية، وما أدراك ما هيه، نار حامية.

6- ومن الأسباب أيضًا ترك المرأة المسلمة القرار في بيتها، امتثالًا وطاعة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكثرة الخروج المتبرج السافر للأسواق والمنتديات والعمل، فضلًا عما صار لزامًا من المؤسسات التعليمية، وحضورها الحفلات الماجنة، في المسارح ودور السينما والأفراح، مما يلفت أنظار الفارغين والمنحرفين إلى التحرش والاغتصاب.

رابعًا: وجوب التصدي لظاهرة التحرش والاغتصاب في المجتمع المسلم:

فظهور هذه الجريمة الخبيثة المنكرة في بعض شباب الأمة، إنما هو نتاج مرير لما ذكرنا من أسباب وغيرها، ومن هنا فالواجب على الشرفاء والعقلاء والنبلاء، من أصحاب الدين القويم، والفطر السليمة، والعقول الواعية:

1- التصدي بحزم وقوة لهذه الظاهرة النكراء، والجريمة الشنعاء، التي تفضي إلى انتشار الفاحشة والزنى في المجتمع المسلم، وهدم الأخلاق والقيم الربانية السامية، واستجلاب غضب الله وسخطه على الأمة بأسرها، ومن ثم فأصحابها يقودون المجتمع كله شعروا أم لم يشعروا إلى الهلاك والهاوية، ونسأل الله العافية.

2- كما أن على مؤسسات الدولة القيام بواجبها في تحقيق مقاصد الشريعة، وذلك من خلال وضع الرقابة والضوابط على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والتي تساهم في هدم القيم والأخلاق والحرمات، من خلال عرض الأفلام والمسلسلات والدعارة الإعلانية الهابطة الرخيصة، وكذلك المطبوعات من الجرائد والمجلات، والتي في الكثير منها نشر للصور الفاضحة العارية والمخزية للمرأة، مما يهدر كرامتها الإنسانية، ويهبط بها إلى مستوى المصالح الشخصية والأهواء، والمتاجرة بجسدها بلا حسيب ولا رقيب.

وكذلك من خلال إقامة العقوبات الشرعية على أمثال هؤلاء، وصيانة المجتمع المسلم من أن تجرفه ثلة منحرفة نحو الهلاك والهاوية، وهدم القيم الإنسانية والإسلامية معًا، وتسعى لاضطراب قاعدة الأخلاق داخل الأمة، وزلزلة حضارتها ومبادئها السامية.

والمتأمل في القرآن يرى الدَّعوة إلى إقامة الحدود والعُقوبات الشرعيَّة على المخالفين والمعتَدِين على أحكام الشَّريعة الإسلاميَّة، وعلى حُرمات المجتمع أو الواقعين في المخالفات الشرعيَّة واضحة جلية.

كما نرى في كتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحكامًا كثيرةً تُبيِّن الأفعال والتُّروك المحرَّمة التي يُعاقَب مرتكبها، وهذه الأحكام وما ينبني عليها أو يتفرَّع منها تُكوِّن ما يمكن تسميته بنظام الجريمة والعُقوبة في الإسلام أو بالقانون الجنائي الإسلامي، وذلك لتكون تلك العقوبات والحدود ناشرة للعدل والأمان في المجتمع، ورادعة لكل منحرف مجرم يريد السعي للإفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد والمفسدين.

إن القانون الوضعي الهزيل لا يزال في عجز دائم عن إيقاف طوفان التحرش والاغتصاب في العالم، فضلًا عن بلاد المسلمين، لأنه لا يستمد قوته ومكانته من نور الوحي والإيمان، ولا يقوم كما ينبغي على ردع المجرمين والمخالفين للفطرة السوية، والشريعة الربانية، أما وحي الله وشرائعه، فهي النجاة والخلاص، وهي القوة والأمان، ولكن متى تعتصم الأمة به! وتستمد منهاج حياتها منه!!.

يقول غلادستونه: "لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويُغطى به القرآن"، فهذه طبيعة القوانين الغربية الكافرة المستوردة إلى بلاد المسلمين، لا تحمي عرضًا، ولا تحفظ مجتمعًا، إنما تشرع للإفساد والمنكرات.

ولهذا فلا عجب أن ترتفع نسبة التحرش الجنسي والاغتصاب الفاحش في بلد كمصر إلى نسبة خطيرة مقلقة تتجاوز العشرين ألف حالة سنويًا، فضلًا عما لا يظهر ولا ينشر في وسائل الإعلام، وفضلًا عن التحرش والاغتصاب للأطفال والمردان، كما في تقارير المجلس القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، فما فائدة تلكم القوانين التي تساهم في هدم المجتمع وقيمه وفطرته.

3- ولا بد من نشر القِيَم الإسلامية والسلوكية الصحيحة في وسائل الإعلام، بشتى صورها وأشكالها، وتدعيمها من الذين يريدون الخير والبقاء والنَّصْر لهذه الأمة الأبية، وتوعية الشباب المسلم بخطورة هذه البرامج الخبيثة المشبوهة. والعمل على بيان أحكام وآداب الإسلام؛ من غضِّ البصر عن المحرمات، ومن البعد عن الخَلْوة والاختلاط بين الشباب والفتيات، ومن سترِ الفتاة المسلمة بالحجاب الشرعي الكامل من أعين الرجال والذئاب، ومن آداب الاستئذان ورعاية حرمات البيوت والمسلمين، ومن التحذير من خطر الفاحشة من الزنا واللواط والشذوذ وغيرها على الفرد والمجتمع كلِّه.

فإن من أكبر الذنوب والكبائر التي حرم الله ورسوله ارتكابها جريمة "الزنا"، فقد حرم الله سبحانه مقدماته وما يؤدي إلى الوقوع فيه، فقال سبحانه محذرًا عباده وأوليائه من مقارفة الفواحش والمنكرات: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً" [الإسراء: 32]. وقال جل وعلا: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30-31].

وقال سبحانه: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النور: 2]. فقد جعل الله تعالى للزاني غير المحصن عقوبة الجلد مائة وتغريب سنة، جزاء لاقتراف الفاحشة والسيئات، فهذا عقاب الدنيا، وأما عقاب الآخرة فينتظره يوم القيامة.

وكذلك العمل على نشرِ فضائل الإسلام وأخلاقه؛ من الحياء والعفة، والمروءة والرجولة، والأدب وحُسن الخلق، والبعد عن مواطن الريب والفواحش، والبعد عن أصحاب السوء ورفقتهم أينما كانوا، ومصاحبة الأخيار والصالحين.

4- ولا بد من خَلْق ثقافتين مهمتين في شبابنا:

الأُولى: خَلْق ثقافة الحذر من الوقوع في الحرام وأسبابه، وتعدي المناهي الشرعية والحرمات.

الثانية: ثقافة المراقبة والخشية لله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا؛ لأن ترك المحرمات ليس من أجل رؤية الناس لها؛ بل من أجل تحريمِ الله لها، واطِّلاعه على فاعلها.

كما أنه لا بد من وجود المواد الشرعية المتخصصة في تدريس القِيَم والأخلاق في الأبنية التعليمية والجامعية، من مراحل التعليم الأولى، وإلى مراحله النهائية والأكاديمية، هذا لزام على مجتمع الإسلام والمُثُل والأخلاق، وليس نافلة للمناقشة والحوار.

5- ولا يفوتنا دائمًا ذلك الحصن الحصين في التربية والتهذيب، وهو الأسرة المسلمة، التي تربِّي أبناءها على الدين والفضيلة ومحاسن الأخلاق، وتغرس فيهم معالمَ الفطرة السوية، ومعالم الشخصية المسلمة الفريدة في سموها، والسامية في أخلاقها، وقد جاء في القرآن قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

وقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58، 59].

وجاء في الحديث الصحيح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مُرُوا أبناءَكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشْرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))؛ رواه أحمد وأبو داود.

6- كما أنه لا بد من وضع الرقابة المجتمعية العامة والخاصة على شبكات ومقاهي الإنترنت، التي يرتادها الشباب والمراهقون دون حسيب أو رقيب، ومتابعتها بين وقت وآخر، وكذلك داخل الأسرة المسلمة، من تتبع الشباب والفتيات، وتوجيههم لما ينفعهم، وتحذيرهم من الانحراف في القيم والسلوك والأخلاق، والتحاور معهم، ومعالجة مشكلاتهم، ووضع الحماية الخفية على أجهزتهم لصيانتهم من تلك المخاطر الأثيمة.

7- وكذلك على المساجد وأئمتها ودعاتها وعلمائها دور كبير، في تجديد الإيمان ورقابة الله تعالى في القلوب والأعمال، وخشيته تعالى في السر والعلن، وإحياء الخوف منه تعالى، والاستعداد للدار الآخرة والامتثال بين يديه تعالى للسؤال والحساب والجزاء، وكذلك إحياء معالم القيم من الرجولة والمروءة والعفة والحياء وغض البصر عن الحرمات، في قلوب الشباب ونفوسهم، وغرس آداب وأخلاق الإسلام السامية في قلوبهم وسلوكهم، وتوجيه الشباب لاستثمار الأوقات في الجيد النافع من حفظ القرآن وتلاوته، وتعلم أحكام تجويده ومتونه، وحفظ السنة وشروح الحديث ودراستها، وطلب العلم، ومطالعة قصص الأنبياء، والصالحين، والعلماء، والفاتحين.

8- وكذلك من الأسباب الناجعة، قرار المرأة المسلمة في بيتها، وترك الخروج منه إلا لضرورة ملحة، أو ظرف قاهر، ذلك أن الله تعالى شرع في وحيه المنزل للمرأة المسلمة القرار بيتها ولزومه، وألا تخرج منه إلا لما يلزم خروجها من الضرورات، حماية لها وصيانة وتكريمًا، وإذا لزم الأمر لخروجها فلتلزم الاحتشام والحجاب في لباسها ومشيها وكلامها، قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ [الأحزاب: 59]. وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53].

وقال سبحانه وتعالى:﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب: 33] الآية". قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى : "﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾" أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة.

وقد روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن".

كما أنها عند الخروج لا تتعطر ولا تتزين، كما في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استعطرت المرأة فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا" رواه أبو داود. وفي رواية لأحمد: "فهي زانية".

ولنعلم أن الإسلام صاغ للمرأة قواعد جليلة كبرى حفاظاً عليها من عبث العابثين، وشهوات المغرضين والغاوين فمما شرع الإسلام:

أولاً: أمر المرأة المسلمة بالقرار في بيتها.

ثانياً: منع الاختلاط عند الخروج.

ثالثاً: منع الدخول عليهن والاختلاء بهن.

رابعاً: حرم سفرها من غير محرم.

خامساً: أمرها بلبس الحجاب والاحتشام عند الخروج من بيتها وقرارها للحاجة والضرورة والعلم والبيع والشراء، وحرم عليها التبرج والعري والسفور ، وإظهار الزينة والمفاتن.

سادساً: أمرهن بغض البصر عن الرجال إلا من ضرورة شرعية، وكذلك أمر الرجال بالعفة وغض البصر عن المحرم من النظر إلى النساء. إلى غير ذلك من قواعد صيانتها والمحافظة عليها من لوث الجاهليات البشرية، والشهوات المحرمة الجامحة في النفوس الدنيئة الضعيفة.

إن المنادين اليوم بإخراج المرأة المسلمة من بيتها، لتشق دروب المشقة والعناء في الحياة ومتاعبها، إنما يدعون لمخالفة سنن الله الكونية والشرعية، فإن المرأة خلقها الله تعالى لرسالة ربانية سامية، لتكون صانعة الرجال، ومدرسة الأبطال، وشق المجتمع الأكبر، وأي دعوة لها لغير ما خلقت له، إنما هي دعوة باطلة آثمة منكرة، تخالف السنن والشرائع.

إن الإسلام لا يعارض أن تكون المرأة طبيبة لبني جنسها، ومعلمة لبني جنسها، وداعية لبني جنسها، ومربية لبني جنسها، وفيما يعود على المجتمع بالتقدم والبناء القيمي والمادي، إنما الذي يعارضه الإسلام، أن تخرج المرأة عن حدود رسالتها وغايتها النبيلة، وتسعى لمزاحمة الرجال في الحياة فيما ليس لها، والاحتكاك المنكر الفاحش به في كل مجال، في الطريق، وفي التعليم، وفي العمل والوظيفة، وفي السياسة، في الاقتصاد، وفي القتال، بحجة أن النساء شقائق الرجال، وأنهن نصف المجتمع، ونحن نقول نعم، إنهن شقائق الرجال بلا ريب، ونصف المجتمع وعموده، لكن بما شرع الله ورسوله في الوحي المنزل، وبقواعد الشريعة وآدابها، وليس بالأهواء والانحراف.

وتحريف النصوص الشرعية وليها لتوافق الأهواء عبث ماكر، يمارسه المتغربون والمقلدون للغرب الكافر بلا علم ولا بصيرة، فالذي جعل النساء شقائق الرجال، ونصف المجتمع، هو ذاته الذي أمرهن بالقرار في بيوتهن، وملازمة تربية الأولاد وصناعة الأبطال والعظماء والعلماء.

وفي الختام:

قد بدا لنا جليًا بعض الأسباب المؤدية لظاهرة "التحرش والاغتصاب" في المجتمع المسلم وأهمها، وبعض طرق العلاج والتوجيه والتصدي لها، والوقوف أمام فتنتها وخطرها، وقد جاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"، وفي الحديث: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".

وجاء في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه".

وقد عقب عليه الإمام النووي - رحمه الله - بقوله: "قال العلماء: معناه: الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء، والالتذاذ بنظرهن، وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها ، والإعراض عنها مطلقاً". انتهى.

ولعل الله تعالى أن يمن بعد بالوقت للتوسع في بيانها ودراستها بشيء من التفصيل، ونسأل الله السلامة والعفو والعافية من المنكرات والفتن، في الدنيا والآخرة، وبالله التوفيق والهداية.

   
 

 

   
 

 
    العودة إلى الخلف          اطبع هذه الصفحة أضف هذا الموقع للمفضلة لديك