الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة
للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين.
أما
بعد:
فرياض
الصالحين:
لا أعني بها ما يسبق للذهن والخاطر أن المقصود كتاب "رياض
الصالحين"[1]؛
للإمام النووي رحمه الله، وإن كان هو كذلك من الرفعة
والمكانة؛ إنما أعني بتلك الرياضِ رياضَ الصالحين
والمتَّقين، التي تَهدِي أرواحَهم، وتُسعِد قلوبهم،
وتُهذِّب أخلاقهم وجوارحهم، إنها رياض فَيْحاء غنَّاء،
تثمر لقلوبهم الرضا واليقين، والخشيةَ والإنابة، والخوفَ
والرجاء، وتحمل أنفسَهم على الاستقامة والسَّداد، وتأخذها
هناك بعيدًا إلى رحاب الأنس بالله سبحانه وبحمده، والشوقِ
إلى لقائه، إنها رياض للنفوس المؤمنة تسرح فيها وتأنس،
وتبني وتؤسس، إنها رياض الذكر والقرآن، رياض المساجد
والعبادة، رياض العلم والتعلم، وما أعظَمَها وأكرمها
وأجلَّها من رياض! فالمسجد روضةُ والعبادة، والعلم
والقرآن، والهدى والذكر، وفيه تقام تلك الحِلَق العامرة،
والمجالس الزاهرة بحِلَق العلم والعلماء ومجالسهم، وحِلَق
الذكر والذاكرين ومجالسهم، وحِلَق التلاوة والتفهم والتدبر
لكتاب الله القرآن ومجالسها.
ومن جانبٍ آخر، فإن لأهل الغفلة والباطل من الحِلَق
والمجالس ما يشغلُهم عن العبادة والتعبُّد، والعلم
والتعلم، والتلاوة والتفهم؛ لأن أنفسَهم قد رضِيت بالباطل
والغيِّ، واتباع الهوى، ومحرَّم الشهوات، فتراهم سَكْرى
وصَرْعى، يتراقصون مع ذكر محبوبهم من النساء والمردان في
حلقاتهم وفي مجالسهم، لعِب بهم الشيطان كل مَلْعَب،
وأضلَّهم عن صراط الحق المبين، وكذلك لعِبت بهم أنفسهم
وأهواؤهم الأمَّارة بالسوء، فصاروا في رِكاب الغافلين، وفي
عسكر المعذَّبين، ﴿
أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ
هُمُ الْغَافِلُونَ
﴾ [الأعراف: 179]، وهم كما قال ابن القيم رحمه الله: ولا
ريب أن أبدانَ الغافلين قبورٌ لقلوبهم، وقلوبُهم فيها
كالأموات في القبور، كما قيل:
وفريق آخر من هؤلاء؛ أصحاب التصوف والتمايل والسماع
والفناء، سجَنوا أرواحهم وأنفسهم في عسكر المادحين
المغالين، وزعموا محبَّة النبيصلى الله عليه وآله وصحبه
الكرام، وابتدعوا لأجلها السماع والتمايل، والرقص والطرب،
ورص الصفوف، وضرب الكفوف، والزفرات والشهقات، ثم قالوا:
هذه حلقات الذاكرين، وسبيل المحبين، ومنهاج العارفين!
وأقاموا لأجلها الموالد والموائد، وجمعوا لها كلَّ حاضر
وقائد، ثم هم بعد ذلك لا ذِكرًا تدبروا، ولا سُنةً عمِلوا،
ولا حقًّا فعَلوا! بل هم في رِكاب أهل البدع والأهواء.
وفي كلا الفريقين يصحُّ قول ابن القيم رحمه الله:
ومن مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها مَن قلَّ نصيبُه
من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوبَ الجاهلين
والمبطلين: سماع المُكاء والتصدية، والغناء بالآلات
المحرَّمة، الذي يصد القلوبَ عن القرآن، ويجعلها عاكفةً
على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن
الرحمن، فلو رأيتَهم عند ذيَّاك السماع وقد خشَعت منهم
الأصواتُ، وهدأت منهم الحركات، وعكَفت قلوبهم بكليَّتها
عليه، وانصبَّت انصبابة واحدة إليه، فتمايَلوا له ولا
كتمايلِ النشوان، وتكسَّروا في حركاتهم ورقصهم أرأيت
تكسُّر المخانيث والنسوان؟ فيا رحمتا للسقوف والأرض من
دكِّ تلك الأقدام، ويا سوأتا من أشباه الحمير والأنعام،
ويا شماتة أعداء الإسلام، بالذين يزعمون أنهم خواصُّ
الإسلام، قضَوا حياتهم لذةً وطربًا، واتخذوا دينهم لهوًا
ولعبًا، ولقد أحسن القائل:
ونحن هنا لا نعني بحِلَق الذكر حِلَقَ هؤلاء ومجالسهم، ولا
أولئك ومجالسهم؛ إنما نعني حلق ومجالس العلم والقرآن
والذكر، التي بها تزهر قلوب أهل التوحيد والاستقامة
والمعرفة والإيمان، وتستقي منها زاد اليقين والتوكل
والخشية والإنابة إلى رب العالمين، واتباع سنة سيد
الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، تلك المجالس التي
جاء فيها قوله تعالى: ﴿
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا
تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
﴾ [الكهف: 28]، وقوله تعالى: ﴿
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
﴾ [المائدة: 2].
وروي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يقول لرجل: "اجلِسْ
بنا نؤمن ساعة".
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم زِدْنا
إيمانًا ويقينًا وفقهًا".
وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه: "هلُمُّوا نزدَدْ
إيمانًا، فيذكرون الله عز وجل".
تلك الحِلَق والمجالس التي تُذكِّرنا بالله تعالى، وتزيد
في الإيمان، وتغمر القلوب بحبِّه وشكره، وذكر آلائِه
ونِعَمه، وتغمرها بالسكينة النفسية والطُّمأنينة، والأنس
وانشراح الصدر، وبَرْد اليقين، وتمام الثقة، وحسن التوكل،
وصدق الافتقار والذل لله تعالى، والتعلق به دون ما سواه،
فهو الذي أمدَّنا بالحياة وأسبابها، وبه العون على همومها
وأوجاعِها، وشدائدها وتقلباتها؛ لأن الغافلين لا يذكرون
ربَّهم، ولا يستعينون به، ولا يَقِفون على باب نَجواه
وسؤاله، ولا يَعرفون ذلك إلا قليلًا، ولهذا فهم يتقلَّبون
مع المصائب والشدائد، بين الجزع والهلع، ويطاردهم الخوف
واليأس، ويغطي قلوبَهم الرانُ والقنوط؛ لأن صلتهم بخالقهم
مقطوعة.
وأما الحِلَق والمجالس الإيمانية المقصودة، فهي التي جاء
فيها الحديث النبوي عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: قَالَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقعد قوم يذكرون الله
عز وجل إلا حفَّتهم الملائكةُ، وغشِيَتهم الرحمةُ، ونزلَتْ
عليهم السَّكينة، وذكَرَهم الله فيمَن عنده))؛ رواه مسلم.
تلك الحِلَق والمجالس التي جاء فيها عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله
تعالى ملائكةً يطوفون في الطرق يَلْتَمسون أهل الذكر، فإذا
وجدوا قومًا يذكرون الله عز وجل تَنادَوا: هلُمُّوا إلى
حاجتِكم، فيحفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم
ربهم - وهو أعلم -: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون:
يُسبِّحونك، ويُكبِّرونك، ويَحمَدونك، ويُمجِّدونك، فيقول:
هل رأَوْني؟ فيقولون: لا والله ما رأَوْك، فيقول: كيف لو
رأَوْني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادة، وأشد
لك تمجيدًا، وأكثر لك تسبيحًا، فيقول: فماذا يَسألون؟ قال:
يقولون: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأَوْها؟ قال:
يقولون: لا والله يا رب ما رأَوْها، قال: يقول: فكيف لو
رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا،
وأشد لها طلبًا، وأعظم فيها رغبة، قال: فممَّ يتعوَّذون؟
قالوا: يتعوَّذون من النار؟ قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال:
يقولون: لا والله ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال:
يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة،
قال: فيقول: فأُشهِدكم أني قد غفرتُ لهم، قال: يقول ملَك
من الملائكة: فيهم فلانٌ ليس منهم؛ إنما جاء لحاجة؟ قال:
هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم))؛ متفق عليه.
وجاء فيها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج
معاوية رضي الله عنه على حَلَقة في المسجد، فقال: ما
أجلَسَكم؟ قالوا: جلَسْنا نذكر الله، قال: آللهِ ما أجلسكم
إلا ذاك؟ قالوا: ما أجلَسَنا إلا ذاك، قال: أمَا إني لم
أستحلِفْكم تهمةً لكم، وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله
صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثًا مني، إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج على حلقةٍ من أصحابه، فقال: ((ما
أجلَسَكم؟))، قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا
للإسلام ومنَّ به علينا، قال: ((آللهِ، ما أجلَسَكم إلا
ذاك؟))، قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: ((أمَا إني
لم أستحلِفْكم تهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل، فأخبرني أن
الله يُباهي بكم الملائكة))؛ رواه مسلم.
وفي الحديث أيضًا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبَق المُفرِّدون))،
قالوا: وما المُفرِّدون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون
الله كثيرًا والذاكرات))؛ رواه مسلم.
ثم إن للذكر والتلاوة، وحضورِ مجالس العلم والعلماء،
والتعبُّد، وعمارة المساجد، والاجتماع على ذلك قدرَ
الاستطاعة - الأثرَ الكبيرَ في صلاح الإنسان واستقامته،
وثباته وهدايته، وحُسْن خُلُقه.
والمتأمِّلُ في نصوص الكتاب والسنة الثابتة الصحيحة
يتجلَّى له هذا بوضوح وصفاء؛ ولهذا - كما قلنا - فإن
الحرصَ على هذه الفضائل وتحصيلها من علامة الصالحين، وهمة
الصادقين، وزاد المتقين والمؤمنين، وسرعانَ ما يظهر لهم
أثرُها ويشعرون به، فهذا أُسيد بن حُضير رضي الله عنه، كان
يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسُه مربوطة عنده؛ إذ جالت
الفرس، فسكت، فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه
يحيى قريبًا منها، فأشفق أن تُصيبه، ولَمَّا اجترَّه رفع
رأسه إلى السماء، فإذا مثل الظُّلة، فيها أمثال المصابيح،
فلما أصبح حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اقرأ
يا بنَ حُضير))، قال: أشفقتُ يا رسول الله أن تطأ يحيى،
وكان منها قريبًا، فانصرفتُ إليه، ورفعتُ رأسي إلى السماء،
فإذا مثل الظُّلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجتْ حتى لا
أراها، قال: ((وتدري ما ذاك؟))، قال: لا، قال: ((تلك
الملائكة، دنَتْ لصوتِك، ولو قرأتَ لأصبحتْ ينظرُ الناس
إليها لا تتوارى منهم))؛ رواه البخاري.
وجاء في الحديث عن أَبي هريرة رضي الله عنه:
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَن اغتسل يوم
الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما
قرَّب بَدَنة، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب
بقرة، ومَن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا
أَقْرَن، ومَن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجة،
ومَن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بَيْضة، فإذا خرج
الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكر))؛ متفق عليه.
وروي أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه لَمَّا حضرَتْه
الوفاة قال: "اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول
البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ
الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالرُّكب عند
حَلَقِ الذكر".
فتأمل قوله: "ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر"،
تعلَمْ علوَّ الهمة في الحرص على مجالس العلم والذكر؛ لأن
فيها ذكر القرآن وآياته وتفسيرها ومعانيها، وذكر التوحيد
والأسماء والصفات ومعرفتها، وذكر أحاديث مشكاة النبوة
وشرحها، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وهَدْيه
وسنته وشمولها، وزيادة الأخلاق بالفضائل السامية، والآداب
العالية، وتهذيب النفوس عليها وتعليمها.
ولهذا ذُكر عن الإمام مالك أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى
ابنه فقال: "يا بُنَي، جالِس العلماء وزاحمهم بالرُّكَب؛
فإن الله يُحيي القلوب بنور الحكمة، كما يُحيي الله الأرض
الميتةَ بوابل السماء".
وقال ابن عبدالبر: "معنى التزاحم بالرُّكَب في مجلس العالم
الانضمامُ والالتصاق، ينضم القوم بعضهم إلى بعض على
مراتبهم"[3].
وبعد، فإن الغفلة عن هذه المجالس والحَلَق، والانشغال
والبعد عنها وعن ملازمتها وحضورها - شقاءٌ وخسارة كبيرة
للإنسان، ولا يعرف حقيقةَ هذا القول إلا مَن ذاق حلاوتها،
واستشعر لذَّتها في المساجد، مع نفسه أو مع إخوانه على أي
حال كان، والعجب كل العجب من أناس لا يذكرون الله إلا
قليلًا، وأعجب منهم مَن لا يذكرون الله أبدًا!
كيف تحيا أرواحهم وقلوبهم؟!
وكيف يطيب العيش في هذه الحياة لهم بغيرِ ذكر باريها
سبحانه وتعالى؟!
وكيف طاب لأنفسهم أن يأنسوا بغيره! أو يشغلوا بالرخيص
الفاني من الشهوات واللذَّات؟!
ولهذا جاء في الحديث ذمُّ الغافلين عن طلب العلم والتعلم،
والذكر والهُدى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إن الدنيا
ملعونةٌ، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو
متعلم))؛ وهو حديث حسن.
وقد تجد منهم أناسًا لهم بعض ذكر ومجالس وأوراد، إلا أنهم
كذلك لا ينتفعون منها بشيء؛ لشدة غفلة قلوبهم، وضعف صدقهم
واستقامتهم، بل ربما ضلُّوا وأَضلُّوا، كما روي عن محمد بن
سيرين رحمه الله أنه قال: "إن قومًا تركوا طلب العلم
ومجالسة العلماء، وأخذوا في الصلاة والصيام، حتى يبس جلدُ
أحدهم على عظمه، ثم خالفوا السُّنة فهلَكوا، وسفكوا دماء
المسلمين، فوالذي لا إله غيرُه، ما عمل أحدٌ عملًا على جهل
إلا كان يفسد أكثر مما يصلح".
وقال ابن بطال: "هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر، إنما
هي لأهل الشرف في الدين والكمال، كالطهارة من الحرام
والمعاصي العظام، فلا تظن أن مَن أدمن الذكر، وأصر على ما
شاءه من شهواته، وانتهك دين الله تعالى وحرماته، أنه يلتحق
بالمطهَّرين المقدسين ويبلغ منازلهم، بكلام أجراه على
لسانه، ليس معه تقوى، ولا عمل صالح"[4].
وجاء في الحديث عن أبي واقدٍ الحارث بن عوف رضي الله عنه،
أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالسٌ في
المسجد والناس معه؛ إذ أقبل ثلاثةُ نفرٍ، فأقبل اثنانِ إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد، فوقفا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما، فرأى فُرْجة في
الحلقة فجلَس فيها، وأما الآخر، فجلس خلفهم، وأما الثالث،
فأَدْبَر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال: ((ألا أخبركم عن النفر الثلاثةِ: أمَّا أحدهم، فأَوَى
إلى الله، فآواه الله إليه، وأما الآخر، فاستحيا، فاستحيا
الله منه، وأما الآخر، فأعرَض، فأعرض الله عنه))؛ متفق
عليه، نسأل الله العافية والهدى والرشاد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ((ما من قومٍ يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا
قاموا عن مثل جِيفة حمارٍ، وكان عليهم حسرة))؛ رواه أبو
داود بإسناد صحيح.
وعن أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: ((ما جلس قومٌ مجلسًا لم
يذكروا الله فيه، ولم يُصَلُّوا على نبيِّهم، إلا كان
عليهم تِرَةً، فإن شاء عذَّبهم، وإن شاء غفر لهم))؛ رواه
الترمذي وأحمد.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم، قال: ((مَثَل الذي يذكُرُ ربَّه والذي لا
يذكره: مَثَل الحي والميت))؛ رواه البخاري.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الهدى والذكر، والخشية
والإنابة
وألَّا يجعَلنا من الغافلين اللَّاهين
وأن يرزقنا الهدى والتقى، وسبيل الراشدين
اللهم آمين
نشر في
شبكة الألوكة
_______________________
[1]
وهو كتاب عظيم النفع، جامعٌ لجملة الأخلاق والآداب والسنن
النبوية والفضائل، ومناهي الشريعة، لا يستغني عنه عالم أو
متعلم، أو خطيبٌ أو داعية.
[2]
انتهى مختصرًا من "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان"؛ لابن
القيم.
[3]
التمهيد (1/ 316).
[4]
فتح الباري؛ لابن حجر (13/541). |