الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة
للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين.
أما
بعد:
وقفة إيمانية تربوية للمجتمع المسلم،
مع حديث متفق عليه
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
-
صلى الله عليه وسلم
-:
"من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه،
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره،
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل
خيرًا
أو ليصمت".
وفي رواية لمسلم: "فليحسن
إلى جاره".
وفي رواية: بدل "الجار"
"ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه".
فهذا نص نبوي جامع، جمع فيه النبي – صلى الله عليه وسلم –
بعضًا من علامات الإيمان الصادق بالله واليوم الآخر، ودلل
بها على كمال الإيمان عند صاحبها، وجعلها من شرائع الإسلام
العظيمة، وحث عليها، ورغب فيها.
ويمكن إيجاز هذه العلامات الإيمانية الواردة في الحديث
فيما يلي:
الأولى:
إكرام الضيف والإحسان إليه.
الثانية:
إكرام الجار والإحسان إليه.
الثالثة:
قول الخير أو السكوت عما لا ينفع.
الرابعة:
صلة الأرحام.
وبالتأمل في جل هذه العلامات، نرى أنها تدور في الجانب
الاجتماعي بين الناس، وحسن إقامة العلاقة بينهم على
الإكرام والإحسان، وصلة الأرحام الواجبة، والكف عن كل قول
يؤذي المسلم من غيبة أو نميمة أو سخرية، والسعي لإيجاد
الروابط الإيمانية والشرعية الصحيحة بينهم.
فإكرام الضيف والإحسان إليه،
وإعطائه حق الضيافة من كمال الإيمان، ولنا الأسوة الحسنة
في هذا في أبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - كما قال
تعالى: "هَلْ
أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
*
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ
قَوْمٌ مُنْكَرُونَ
*
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ"
[الذاريات: 24-26].
وكذلك الإحسان إلى الجار، وكف الأذي عنه،
وذلك يكون بالقيام بحقوقه الواجبة، والتي دلت عليها نصوص
أخرى كما جاء عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا
أبا ذر، إذا طبخت مرقة؛ فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك".
رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: "والله
لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل: من يا رسول
الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه".
متفق عليه.
وكذلك قول الخير، الذي فيه نفع لصاحبه أو لغيره؛
كالذكر والتسبيح، وتلاوة القرآن، وتعليم العلم النافع،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الضال، وبذل
النصيحة للمسلمين، أما ما عدا ذلك وما لم يكن له فيه
الخير، فالواجب عندها على المسلم أن يلزم الصمت، وعدم
الكلام، وذلك من مثل قول الباطل، وشهادة الزور، والكذب،
والغناء، والغيبة، والنميمة، فكل هذا فيه مفسدة عظيمة
للمسلم ولمن حوله، فيجب عليه صيانة لسانه، ومراعاة تقوى
الله تعالى فيه كما قال تعالى في كتابه: "يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا
*
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"
[الأحزاب: 71،70].
وكذلك من كمال الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر صلة
الأرحام،
والتواصل بين الأقارب، فإنها من العلامات الدالة على تماسك
المجتمع المسلم وقوته، وسلامته من القطيعة والتفكك، وقد
جعل الله
تعالى هذه القطيعة من دلائل الفساد في الأرض كما قال
تعالى: "الَّذِينَ
يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"
[البقرة: 27]، وقال تعالى: "فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ
*
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ
وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ"
[محمد: 23،22].
وكما أن صلة الأرحام من الأسباب المؤلفة بين المجتمع، فهي
كذلك من الأسباب الجالبة للأرزاق كما جاء في الحديث
قوله
-
صلى الله عليه وسلم
-:
"من
أحب أن ينسأ له في أجله، ويوسع له في رزقه، فليصل رحمه".
رواه البخاري
ونحن إذا تأملنا في واقعنا بعد هذا،
وجدنا أن جل المسلمين اليوم وقع في التقصير العام في هذه
الواجبات الإيمانية والاجتماعية، أو بعضها، فصرنا نرى
كثيرًا ممن لا يقومون بحق الضيف وإكرامه غاية الكرم،
ويبخلون عليه خشية الفقر والحاجة.
ولا من يقوم بحق الجار عليه، وكف الأذى عنه، وحسبنا رفع
البنيان عليه من دونه إذنه، وكف الهواء عنه، وإزعاجه في
الليل والنهار بأصوات الأجهزة الصوتية الصاخبة، بأصوات
الغناء والمزامير.
كما وجدنا كثيرًا من آكلي لحوم الناس بالباطل بالغيبة
والبهتان، وحديث المجالس والوظائف الفارغة، والتي تعج
بكثير من المآسي والمعضلات، ومن خروج أخص متعلقات الرجل
بزوجته، والحديث عن أسرار بيته وغرفته، وكذلك ما آل إليه
الحال في جل صحافتنا وإعلامنا، المقروءة والمرئية،
والمسموعة، والتي جمعت كثيرًا من الغثاء الساقط، وما لا
قيمة له، في أكثر برامجها ونشراتها.
كما وجدنا في مجتمعنا المسلم، من لا يوقرون للأرحام
مكانًا، ولا يصلونهم، ولا يتزاورون معهم، ولا يقفون في
الشدائد إلى جوارهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
فهل سنقف وقفة أخرى من جديد مع هذا التوجيه النبوي العظيم!
وهل ستعود لبنات المجتمع المسلم كما ينبغي! وهل سيملأ
الإيمان واليقين قلوبنا بأن بذلنا وعطائنا وإكرامنا للناس
لن يضيع عند الله تعالى!
كما قال سبحانه: "إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا"
[الكهف: 30]. |